الأستاذ الدكتور علي تابليت، كما عرفته
في البداية ينبغي أن أشير إلى أن الأستاذ الدكتور علي تابليت من رواد مكتبة جامعة الجزائر، وهو الصديق الحميم لمحافظ المكتبة السيد عبد الله عبدي لأنه كان يثق في الأستاذ علي تابليت ويفسح له المجال لكي يتصفح جميع الوثائق المتوفرة بمكتبة جامعة الجزائر. وقد تعرفت عليه في قاعة الأساتذة بمكتبة جامعة الجزائر لأنه كان يتواجد بها من الصباح إلى المساء، والكرسي الذي كان يجلس عليه محجوز له ولا يتجرأ أحد على أخذه منه.
وبما أنني كنت أتناقش معه في كل القضايا فقد اكتشفت أنه من مواليد غسيرة، ولاية باتنة، سنة 1941 وأن حالته في الصغر، كانت مثل حالتي: أي من المعذبين في أرض الله الواسعة خلال فترة نشأته في الصغر. إنه ابن شهيد ومجاهد في ثورة الجزائر، وبالتالي، فهو ينتمي لأسرة ثورية وجهادية في منطقة الأوراس التي انطلقت منها ثورة 1954 ولم يكن له أي سند في حياته ولذلك اضطر أن يعتمد على نفسه في تسيير شؤونه الخاصة، وخاصة أن إمكانياته المادية كانت محدودة. وبالرغم من ذلك، فقد تمكن من التنقل إلى تونس والأردن والكويت ومواصلة دراسته بثانوية الشويخ، ونجح في الحصول على شهادة البكالوريا من الكويت، ثم عاد إلى الجزائر حيث انخرط بجامعة الجزائر ونال شهادة الليسانس في التاريخ سنة 1973، بالإضافة إلى ليسانس في الترجمة في نفس السنة. ولأسباب غير معروفة توجه إلى دراسة الحقوق في جامعة الجزائر ونال منها شهادة الليسانس في سنة 1983 وأصبح مترجما رسميا ومعتمدا من وزارة العدل.
إن الشيء الذي أبهرني في سيرته الذاتية، أن الأستاذ علي تابليت استفاد من نصيحة الأستاذ الموقر عبد القادر زبادية الذي نصحه بالتفرغ للبحث في العلاقات الجزائرية الأمريكية وذلك في سنة 1981، ومنذ ذلك التاريخ وهو عاكف على جميع الوثائق وتحليلها، لكي يستفيد منها ويفيد قراءه بما جمع عن الموضوع.
وبعبارة صريحة، فإن الأستاذ علي تابليت قد انفرد في الجامعة الجزائرية بالتخصص في موضوع دقيق وهو العلاقات الجزائرية-الأمريكية، وهذا ما يعجبني في مسيرته العلمية لأنه أصبح المرجع الأساسي في التاريخ السياسي للعلاقات الجزائرية الأمريكية. إنه الخبير رقم واحد في موضوع المعاهدات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية منذ إنشائها سنة 1776 إلى يومنا هذا. كما أنه يتمتع بقدرات كبيرة واطلاع واسع على المعاهدات الجزائرية مع دول أوربا بصفة عامة والدول الاسكاندافية بصفة خاصة، وفي رأيي الشخصي، أن الإنسان الذي يتخصص في موضوع محدد، هو الباحث البارع الذي يتعمق في موضوع تخصصه ويصير مرجعا علميا في ذلك التخصص. ولا أقول سرا إذا قلت أنني أحببته واحترمته كثيرا لأنه يعتبر الخبير الجزائري الوحيد في المعاهدات الجزائرية-الفرنسية والمعاهدات الجزائرية-الأمريكية. إنه يختلف عن أولئك الباحثين الذين يعرفون شيئا بسيطا عن كل شيء ولكن ينقصهم التعمق في تخصص دقيق، بارعون فيه.
المهم أن الأستاذ علي تابليت كرس وقته وجهده للبحث في تاريخ العلاقات الجزائرية، الأمريكية إلى أن تحصل على دكتورة الدولة التي ناقشها في سنة 2007، ولي الشرف أن أقول أنني كنت عضوا في لجنة المناقشة في جامعة الجزائر. إن أطروحته هي تتويج للعمل الأكاديمي في مجال البحث العلمي. ولعل نجاحه في هذا البحث يعود بصفة عامة إلى أستاذه المشرف على الأطروحة، الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني الذي يعتبر من أكبر المؤرخين المتخصصين في الفترة العثمانية.
وفي قناعتي أن أهم إنتاج للباحث البارع علي تابليت هو معاهدات الجزائر مع بلدان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية (الجزء الأول والجزء الثاني) وهو مطبوع من طرف وزارة المجاهدين في سنة 2013، إنه كتاب رائع وفيه يبين الباحث أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدفع للجزائر ضريبة سنوية تقدر بـ 24600 دولار أمريكي إلى غاية 1812، ودفعت بما يعادل مليون دولار أمريكي في سنة 1796 مقابل معاهدات سلم مع الجزائر.
وبالإضافة إلى ذلك أنتج الباحث 3 كتب في ثلاثة أجزاء وهي عبارة عن بحوث ودراسات تتعلق بالمقالات المنتقاة والبحوث التي ترجمها إلى العربية الأستاذ علي تابليت. إنها بحوث يتجاوز كل كتاب 500 صفحة، وهي منشورة من طرف إدارة النشر ثالة، وذلك لحساب وزارة المجاهدين في سنة 2014. وتحمل الكتب الثلاثة عنوان: بحوث في تاريخ الجزائر، ومقسمة إلى فترات حسب المقالات المنشورة فيها، وهذه المقالات تغطي الفترة العثمانية ودول المغرب العربي.
أما الكتاب الآخر الذي نال إعجابي فهو: محمد بن أبي شنب: أعماله وآثاره، يقع في جزئين، وكل جزء يتجاوز عدد صفحاته 400 صفحة، والفضل في نشر مقالات محمد بن شنب يرجع إلى جامعة الجزائر التي تكفلت بنشر هذين المرجعين. وقد اشترك مع الأستاذ علي تابليت في إصدار هذين الجزئين الأستاذ الطيب ولد العروسي.
وبدون إطالة، فإن الأستاذ علي تابليت قد نشر أزيد عن 60 مقالا، سواء كان مترجما أو مكتوبا بقلمه، وهذا بالإضافة إلى نشر كتب صغيرة الحجم عن الزعيم فرحات عباس الذي أثنى فيه على نضاله الطويل من أجل تحرير الجزائر من الهيمنة الفرنسية. كما أنه تفضل بنشر كتاب صغير الحجم عن الرايس حميدو، وبين فيه براعته في بسيط نفوذه في البحر الأبيض المتوسط.
وفي رأيي المتواضع، أن الأستاذ علي تابليت واجه صعوبات جمة في جمع الوثائق من جامعة ميتشغان ومكتبة الكونغريس الأمريكي في واشنطن، ومكتبة العالم العربي في باريس، لأن اقتناء الوثائق من مراكز البحث العلمي في الخارج مكلف وباهظ الثمن، لكن هذا الباحث المتميز فضل أن يحرم نفسه وأسرته من التمتع بمدخوله الشهري المتواضع من جامعة الجزائر ومنحة شهرية صغيرة من وزارة المجاهدين، وصرف جل أمواله على إعداد نصوص الوثائق ونشر هذه الكتب التي استفاد منها الناشرون الذين لم يدفعوا إليه أي مقابل مالي مقابل أتعابه وجهده الذي بدله لنشر هذه الكتب الثمينة. إنها تضحية تستحق التنويه بها.
ومن غير الإنصاف أن نتعرض إلى إنجازات الأستاذ علي تابليت في المجال العلمي بدون الإشارة إلى من يقف خلفه وشجعه باستمرار على تخصيص وقته الثمين للبحث والكتابة، إنها زوجته الفاضلة مليكة قرفي التي كانت بدورها أستاذة وباحثة بجامعة الجزائر، وهي التي قامت بتأليف عدة كتب في الشعر باللغة الفرنسية. كما أنها هي التي خففت عنه أعباء تربية بنته نسرين وابنه الدكتور عصام المتواجد حاليا بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة. وعليه، إن عائلة الأستاذ علي تابليت تتشكل من مثقفين جامعيين، يتعاونون فيما بينهم لإثراء المكتبات الجامعية بكتبهم ويقدمون خدمات إنسانية لأبناء وطنهم سواء في مجال علاج أبناء الشعب أو تأليف الكتب والمساهمة في خدمة الثقافة الجزائرية.
حفظ الله الأستاذ علي تابليت من كل مكروه، وأطال في عمره لمواصلة أداء مهمته النبيلة، وأنعم الله عليه وعلى أفراد عائلته بالصحة والهناء.
عمار بوحوش
باحث وكاتب جزائري
الجزائر يوم 20 جانفي 2022