مسيرة الحركات الوطنية الجزائرية لتحرير الوطن من الإحتلال الأجنبي
مقدمــة :
إنه لمن الواضح أن سياسة الإحتلال الفرنسي للجزائر التي إنطلقت يوم 14 جوان (يونية) 1830 حين قامت القوات الفرنسية بإنزال قواتها العسكرية في سيدي فرج والإستيلاء على العاصمة الجزائرية يوم 5 جويلية 1830، كانت تهدف إلى بسط نفوذ فرنسا في منطقة شمال إفريقيا والإستيلاء على خيرات وثروات هذه المنطقة. ومنذ البداية كانت خطة فرنسا تتمثل في خلق منطقة نفوذ فرنسية وإخضاع السكان بالقوة للسلطات الفرنسية. ولذلك عمد السياسيون الفرنسيون إلى إنتهاج سياسة الإندماج في الجزائر وإصدار القوانين التي تجعل من الجزائريين رعايا أوروبيين، يقيمون في بلد يخضع قانونيا للسيادة الفرنسية، لكنهم لا يتمتعون فيه بأية حقوق سياسية أو إجتماعية أو ثقافية. وبعبارة أخرى، إنهم أداة لخدمة الغزاة الأروبيين الذين إستولوا على السلطة والثروة والجيش الفرنسي الذي يحميهم من أية ثورة شعبية أو مقاومة جماعية للتخلص من طغيانهم وجبروتهم.
ولكي نفهم حقيقة ما كان يجري في الجزائر منذ الإحتلال الفرنسي في سنة 1830 إلى غاية 1962، ينبغي أن نشير إلى أن قوة الحكم المحلي في الجزائر لم تكن نابعة من الحكومة العامة لأن الحاكم العام هو عبارة عن شخصية لتمثيل فرنسا في الجزائر لا غير. وإذا كان ظاهريا ونظريا يعتبر الحاكم العام هو السلطة التنفيذية في الجزائر، فإن الواقع هو أنه غير منتخب ولا يملك جيشا. وعليه، فإنه يعمل بمفرده، وبقاؤه في السلطة يتوقف على رضاء الأروبيين عليه.
وعليه، فإن السلطة الحقيقية كانت موجودة في يد النواب الأروبيين في البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ الفرنسي، وفي كل منهما كانت الجالية الأروبية ممثلة تمثيلا قويا. ومنذ صدور قانون 19 ديسمبر 1900 إنتقلت السلطة الفعلية إلى يد النواب الأروبيين في المجلس المالي الذي أقاموه في الجزائر العاصمة وبدأوا يشرعون فيه لأنفسهم ويتخذون جميع القرارات المالية التي تخدم مصالحهم، بدون تدخل من باريس، بعد أن سمح لهم قانون 1900 أن يكون عندهم إستقلال مالي، والحاكم العام ينفذ قراراتهم التي يتخذونها في هذا البرلمان الصغير الذي تم إنشاؤه أساسا لخدمة مصالح السكان الذين يتحدرون من أصل أروبي ويهودي وحرمان السكان المسلمين من الحقوق الطبيعية التي يحصل عليها عادة أي إنسان يقيم في أرض آبائه وأجداده. ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن هؤلاء المنتخبين الأروبيين الذين يمثلون الأقلية الأروبية في الجزائر هم الذين كانوا يؤثرون في مجرى الأمور في باريس وفي الجزائر بحيث لا يتعين أي حاكم عام إلا بعد موافقتهم عليه وقبولهم، ولا يسن قانون في البرلمان الفرنسي إلا بعد الحصول على رضاءهم عليه. كما أنهم هم الذين أوقفوا جميع المحاولات الرامية لتمثيل المسلمين في البرلمان الفرنسي لغاية 6 أكتوبر 1946، وأصروا على عدم إقرار نظام الإقتراع العام في الجزائر وإجراء انتخابات حرة بحيث يشارك فيها جميع السكان وينتخبون مجلسا نيابيا جزائريا بطريقة ديمقراطية. وكما سنرى فيما بعد، فإن دعاة الإندماج في فرنسا أمثال بن جلول وفرحات عباس وعبد الرحمن فارس، سيشعرون بالتذمر والمرارة من سياسة العناد والإصرار على عدم وجود تمثيل نيابي حقيقي للجزائر في المجلس الجزائري، وينضموا في سنة 1956 إلى قوافل الثوار التي إلتحقت بالجبال لتقوم بالعمل المسلح بقصد إقتلاع جذور هذه العناصر الخبيثة من أرض الجزائر وإجبارها على الإعتراف بحقوق ومصالح أبناء البلد الأصليين.
الأسلوب الجديد لنضال حركة ” الشبان الجزائرييـن “
لقد تميزت المقاومة الجزائرية لقوات الإحتلال الفرنسي في القرن التاسع عشر بإنحصارها في مناطق صغيرة وتحالفات عشائرية غير مجدية لأن قوات الإستعمارالفرنسي كانت تحاصر المنطقة التي يتواجد فيها المقاومون للإحتلال وتقضي عليهم بسهولة. لكن في بداية القرن العشرين تغير أسلوب النضال حيث بدأ رجال النخبة في الجزائر يتحركون ويتحالفون ضد إدارة الإحتلال ودسائسها في بلدهم وذلك على المستوى الوطني. ويرجع الفضل في هذا التنظيم السياسي إلى رجال النخبة الذين تعلموا في المدارس الفرنسية وأصبحوا يحسون ويشعرون بإنعدام المساواة بين الجزائريين والأروبيين، وعدم وجود أي تمثيل سياسي لأبناء البلد الأصليين في المجالس المحلية المنتخبة. ولهذا فإن المناضلين قد بدأوا في مطلع القرن العشرين ينتهجون سياسة جديدة ترتكز ليس على مقاومة الغزاة الأجانب بالسلاح فقط ولكن ترتكز أيضا على الإتصال والقيام بضغوطات متوالية على حكومة باريس لإنصاف الجزائريين وتمكينهم من الحصول على مقاعد في البرلمان الفرنسي، والسماح لهم بالمشاركة في الإنتخابات المحلية والإعتراف بالشخصية الجزائرية.
ومنذ 1892 بدأت حركة ” الشباب الجزائري ” تقوم بالإتصالات مع المسؤولين الفرنسيين وتنقل إليهم هموم المواطن الجزائري وإنشغالاته وتقترح عليهم ما ينبغي عمله لإنصافه. ومن جملة الشخصيات الفرنسية التي إستمعت إلى آراء حركة ” الشباب الجزائري ” السيد ” جول فيرى ” عندما زار الجزائر في سنة 1892 بصفته رئيسا للجنة مجلس الشيوخ التي مكثت في الجزائر لمدة شهرين وذلك للتعرف على أوضاع الجزائريين(1). وتزعم حركة الشبان الجزائريين مجموعة من الشخصيات الوطنية التي كانت تشتغل في ميادين الترجمة والتعليم والتجارة والسياسة والطب. وبالرغم من عدم وجود خطة مشتركة لمحاربة الظلم والإستبداد والتعسف المسلط على الجزائريين من طرف أعضاء الجالية الأروبية بالجزائر، فإن المشكل العويص الذي واجه هؤلاء الشباب ولم يتغلبوا عليه هو عدم التجانس وبالتالي عدم إتفاقهم على إنتهاج سياسة مشتركة أو تقديم فكر موحد. ولهذا سنلاحظ أنه بالرغم من المجهودات التي قاموا بها لتغيير الأوضاع السيئة في الجزائر، فإن نجاحهم كان محدودا جدا.
وبإختصار، فإن الأمير خالد قد قام بخطوة جريئة في عام 1917 وذلك حين شارك مع إخوانه التونسيين في مؤتمر رابطة حقوق الإنسان بباريس وطالب بأن يكون للجزائريين تمثيل في البرلمان الفرنسي وفي مجلس الشيوخ وذلك بدون تخلي الجزائريين عن هويتهم العربية الإسلامية(1).
مسيرة الحركات الوطنية الجزائرية
في مجال النضال السياسي
1. حزب الإتحاد للبيان الجزائــري*
يعتبر هذا الحزب من أهم الأحزاب السياسية التي لعبت دورا مرموقا في الإصلاحات السياسية بالجزائر، وقد كان هذا الحزب الذي تزعمه السيد فرحات عباس (1899-1985)، يطالب بإندماج الجزائر في فرنسا، وتمثيل الجزائريين المسلمين في البرلمان الفرنسي، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الأروبيين والمسلمين، وقد اشتهر بقوله المشهور بأنه لا يوجد في القرآن الكريم شيء يمنع الجزائري من أن يكون فرنسيا، وإنما المانع هو الإستعمار. (2)
وخلال الحرب العالمية الثانية حاول فرحات عباس وأنصاره أن يستغلوا فرصة إنهيار الحكومة الفرنسية في باريس ويتفاوضوا مع حركة المقاومة الفرنسية في الجزائر بشأن الإعتراف بالحقوق السياسية للجزائريين مقابل تعاون أبناء الجزائر مع فرنسا، وخاصة أن ” دارلان ” و” جيرو ” قد طلبا من السكان المسلمين مساعدة فرنسا في التخلص من الإحتلال الألماني، ومقابل ذلك ستأخذ فرنسا مطالبهم السياسية بعين الإعتبار. وبالفعل، فقد قام فرحات عباس في بداية 1943 بتحرير بيان وقعه مع 28 شخصية سياسية من زملائه المنتخبين، وأبدوا فيه إستعدادهم للمشاركة في المعركة من أجل تحرير فرنسا ولكن بشرط أن تلتزم فرنسا بعدم السماح لأية تفرقة عنصرية بين الأفراد، سواء كانت هذه التفرقة عرقية أو دينية. وأكد البرلمانيون المنتخبون في هذا البيان على ضرورة إعطاء الحقوق السياسية للجزائريين ومنح حرية التعبير للجميع. كما طالبوا بعقد مؤتمر للمنتخبين وممثلي جميع المنظمات الإسلامية وذلك بقصد إعداد قانون يتضمن جميع المسائل السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وفي شهر أفريل من عام 1943، تأكد السيد فرحات عباس بأنه لم يعد هناك أي أمل في التفاهم مع الفرنسيين وأن التعاون مع الأحزاب الجزائرية المعارضة للأروبيين والداعية لإستقلال الجزائر هو السبيل الوحيد لتحقيق طموحات أبناء الشعب الجزائري. ولهذا قرر فرحات عباس أن يتحالف مع مصالي الحاج وجميعة العلماء المسلمين الجزائريين والحزب الشيوعي الجزائري. وعندما تم تعيين الجنرال ” كاترو ” حاكما عاما على الجزائر ومحافظا للدولة، مكلفا بالشؤون الجزائرية في شهر جوان (يونية) من عام 1943، أعلن: ” أنه يعتبر الجزائر جزءا لا يتجزء من فرنسا وأنه لا يقبل أن تكون النقاط المقترحة من طرف الجزائريين المنتخبين قواعد للعمل والتفاوض “، تغير المسار السياسي لفرحات عباس، حيث استقال من المجلس المالي، مع بقية زملائه، وأعلن عدم تعاونه مع فرنسا وأنه يطالب بإستقلال الجزائر. ولذلك أصدر ” كاترو ” أمرا بالقبض عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية وذلك بحجة أنه يحرض النواب على العصيان في وقت الحرب. كما أمضى قرارا بتنحية النواب الذين يمثلون العرب في المجلس المالي. إلا أن الحاكم العام تراجع عن قراره بطرد النواب العرب من المجلس المالي بعد أن تدخل النواب الأوربيون في المجلس المالي. ومع ذلك أصر ” كاترو ” على بقاء السيد فرحات عباس والسايح عبد القادر رهن الإعتقال ولم يتم الإفراج عنهما إلا يوم 2 ديسمبر 1943 بعد أن تحرك الرأي العام وتأزم الوضع في الجزائر بسبب حجزهما بطريقة تعسفية. (1)
واستمر الوضع متأزما بين فرحات عباس والفرنسيين إلى أن قامت ثورة أول نوفمبر 1954 وغيرت الموازين، وأدرك فرحات عباس أن الطريق مسدود أمامه ولا يستطيع أن يفعل أي شيء لتغيير مجرى الأمور، فقرر في شهر جانفي 1955 أن يتصل بالمسؤولين في جبهة التحرير عن طريق السيد عمار القامة. وجاءه الرد بالإيجاب يوم 26 ماي 1955 حيث إلتقى بالسيد عبان رمضان والسيد أوعمران فأستفسر منهما عن إمكانية نجاح الثورة وقوة جيش التحرير، فأجابه عبان رمضان : “إن جيش التحرير يملك أسلحة كافية وقادر على دحر الجيش الفرنسي ودفعه إلى البحر “. وطلب عباس من عبان رمضان إذا كان في إمكانه أن يتكلم مع المسؤولين الفرنسيين عن إمكانية المفاوضات وأيقاف القتال. فقال له عبان رمضان : ” نحن نوافق على ذلك لكن بشرط أن تكون المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني ” (2). ويبدوا أن فرحات عباس كان متخوفا من الإنضمام المتأخر إلى ثورة الشعب، فسأل عبان رمضان ذات يوم : ” إننا نخشى أن يتهمنا بعض أعضاء الوفد الخارجي بأننا أخذنا قطار جبهة التحرير وهو يسير ” فطمأنه عبان رمضان بقوله : إن جبهة التحرير ليست ملكا لأحد. إنها ملك للشعب الذي يناضل ” (3). وفي شهر أفريل من عام 1956 إلتحق بالقاهرة مع الدكتور فرنسيس، وانضم إلى جبهة التحرير وتحول من رجل حوار وتغيير عن طريق القانون إلى رجل ثوري يستعمل العنف والقوة لإسترداد حقوق شعبه المهضومة، ولعله كان يتذكر بإستمرار ما قاله له ذات يوم مصالي الحاج بأن ما أخذته فرنسا بالقوة
لا يمكن إستعادته وإنتزاعه إلا بالقوة. (4)
2. حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائرييــن
تعتبر ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ” حركة سياسية ذات قاعدة شعبية
لا مثيل لها في تاريخ الجزائر. وخلافا لحركة الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي كان يتهافت زعماؤه من أجل الحصول على مقاعد سياسية في المجالس المنتخبة محليا والدخول في حوار مع السلطات الأروبية من أجل الحصول على حقوق سياسية في إطار القوانين والسيادة الفرنسية، فإن جمعية العلماء قد إتجهت منذ البداية إلى غرس بذور الروح الوطنية في نفوس الشباب الجزائري وتعليمهم بلغة آبائهم وأجدادهم وتعريفهم بالتراث العربي- الإسلامي بحيث تكون لهم عزيمة قوية وتعلق كبير بالجزائر التي إبتليت بالغزو الأجنبي والإحتلال الأروبي الذي يهدف إلى إبتلاعها ومحو مقوماتها العربية- الإسلامية. ولهذا يمكننا أن نقول أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي حركة سياسية ذات رسالة ثقافية وعلمية إجتماعية تهدف إلى حماية التراث الوطني من الذوبان في الحضارة الأروبية، وبعث الروح الوطنية في النفوس عن طريق تعليم الشباب وخلق الوعي الإجتماعي ومحاربة رجال الدين المزيفين الذين حاولت فرنسا أن تستعملهم لتثبيط عزائم الجزائريين، ونشر إسلام مزيف يخدم مصلحة قوة الإحتلال ويساعد على تنفير الجزائريين من دينهم الإسلامي الحنيف.
منذ البداية ينبغي أن نشير إلى أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد برزت إلى الوجود كحركة سياسية إسلامية ذات جذور إجتماعية قوية وذلك في إطار الصحوة الإسلامية وحركات التحرير العربية التي عمت العالم العربي والعالم الإسلامي في بداية العشرينيات من القرن العشرين. كما أنها ظهرت إلى الوجود في وقت تكاثر فيه الحديث عن إندماج الجزائر في فرنسا والدعوة للتخلي عن الهوية الإسلامية للحصول على الجنسية الفرنسية (مثلما نصت على ذلك إصلاحات جورج كليمانصو سنة 1919). وعليه، فإن محاولة الأروبيين للإستيلاء على عدة بلدان إسلامية بعد إلحاق هزيمة قاسية بتركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى، وإحتفال الأروبيين في الجزائر سنة 1930 بمرور قرن على إحتلال البلاد وفرض الهيمنة الفرنسية على الجزائريين ومعاملتهم للجزائر معاملة جافة وقاسية من طرف الأروبيين المتواجدين بالجزائر، قد مهدت الطريق لجمعية العلماء وساعدتها على أداء رسالتها الوطنية وإلتفاف الناس حولها. ونستخلص من ما سبق ذكره، أن جمعية العلماء قد جاءت في وقت مناسب لتحقيق رغبة شعبية عارمة وهي البحث عن وسائل لإيقاف الهجمة الإستعمارية الشرسة على المسلمين والتعاون مع رجال الإصلاح المسلمين في تونس والمغرب ومصر وبقية الدول العربية والإسلامية بقصد بعث الروح الوطنية وتوحيد الصف لمجابهة الغربيين المتحالفين ضد المسلمين(1). كما أنها أسست بقصد محاربة أصحاب الزوايا لأن الزاوية كانت تعتبر في نظر جمعية العلماء هي حجر عثرة أمام الحركة الوطنية وجهود رجالها. والطرق الصوفية، في رأي جمعية العلماء، هي : ” علة العلل في الإفساد ومنبع الشرور “. ففي رأي عبد الحميد بن باديس : ” إن كل ما هو متفش في الأمة من إبتداع في الدين وضلال في العقيدة وجهل بكل شيء وغفلة عن الحياة وإلحاد في الناشئة، فمنشوءه من الطرق ومرجعه إليها “. (2)
وفي واقع الأمر أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد أنطلقت في أعمالها كمنظمة تعليمية ذات أهداف محددة تشتغل في إطار دولة إستعمارية عملاقة. وقد كانت جهودها وأعلامها الحضارية تهدف إلى :
- إحياء الدين الإسلامي وتطهيره من الشوائب التي علقت به خلال القرون الأخيرة.
- العمل من أجل بعث وتطوير الثقافة العربية الإسلامية.
- السعي لتوحيد أبناء الشعب الجزائري تحت راية العروبة والإسلام.
- توعية الشباب الجزائري بالشخصية الجزائرية وتهيئته للنضال في المستقبل.
- إقامة جسور للتعاون بين الجزائر وبقية الدول العربية والإسلامية.
- الدعوة إلى توحيد العمل المشترك مع أبناء تونس والمغرب.
- نشر تعليم عربي مستوحى من الوحدة العربية الإسلامية. (3)
والحقيقة التي ينبغي أن تقال عن جمعية العلماء أنها كحركة سياسية تميزت عن غيرها من الحركات الوطنية الأخرى بشخصية عبد الحميد بن باديس القوية وكذلك بوجود نخبة نشيطة من رجال الإصلاح في الجزائر يرجع إليهم الفضل في تنشيط جرائد جمعية العلماء وإقامة علاقات وطيدة مع الحركات الإسلامية في تونس وفي المشرق العربي وذلك بحكم خبرتهم وزياراتهم لعدة بلدان عربية وإسلامية(1). فبالنسبة لشخصية عبد الحميد بن باديس، نلاحظ أنه ينتمي إلى عائلة مرموقة بمدينة قسنطينة التي ولد بها سنة 1889 وتوفي بها كذلك يوم 16 أفريل 1940. وقد كان والده، المكي، نشيطا في السياسية. فاشتغل قاضيا ومستشارا بالمجلس العام لمدينة قسنطينة، ونائب في المجلس النيابي المالي وعضو المجلس الأعلى في الجزائر. وإذا كان شقيقه مولود الزبير قد تعلم الفرنسية وأصبح محاميا، فإن عبد الحميد بن باديس لم يلتحق بأية مدرسة فرنسية ولكنه تتلمذ على يد الشيخ حمدان الونيسي والتحق بجامعة الزيتونة في تونس ثم عاد في سنة 1911 إلى مدينة قسنطينة حيث فتح مدرسة بالجامع الأخضر وشرع في تكوين جيل جديد يؤمن بفكرته التي روج لها منذ الصغر والتي أصبحت شعارا لجمعية العلماء وهي ” العربية لغتنا، الإسلام ديننا، الجزائر وطننا “. وعندما إندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914، توجه إلى السعودية لإداء مناسك الحج، وقام بزيارة بعض العواصم العربية لتبادل الآراء مع بعض المسؤولين هناك، ثم عاد إلى قسنطينة لإستئناف عمله هناك.
وفي رأي بعض المفكرين، فإن عبد الحميد إبن باديس يعتبر شخصية وطنية جزائرية من الدرجة الأولى في النصف الأول من القرن العشرين، وذلك نظرا لنجاح حركة جمعية العلماء في تقوية العداء للفرنسيين. وخلافا لحركة حزب ” نجم شمال إفريقيا ” الذي تأسس خارج البلاد وتمركز نشاطه في فرنسا، فإن جمعية العلماء قد تأسست داخل التراب الجزائري وأنشأت ما يزيد عن 130 فرع لها داخل البلاد
سنة 1937.
عند وفاة عبد الحميد بن باديس يوم 16 أفريل 1940، كان الشيخ البشير الإبراهيمي منفيا في أفلو وذلك منذ بداية الحرب العالمية الثانية. لكن تم إطلاق سراحه بعد إستيلاء الحلفاء على الجزائر وتحريرها من جماعة ” فيشي ” الموالين للألمان. وفي شهر ديسمبر من عام 1942 إتصل الجنرال دارلان بفرحات عباس وطلب منه أن يقوم قادة الحركة الوطنية الجزائرية بمساعدة فرنسا الحرة (وهي حركة المقاومة الفرنسية التي يرأسها ديغول) في تجنيد الجزائريين من أجل المشاركة في تحريرها. وآنذاك إتصل فرحات عباس بدوره بجمعية العلماء التي شاركت في تحرير البيان المقدم للمسؤولين الفرنسيين فيما بعد والذي أشترط فيه فرحات عباس وتوفيق المدني من جمعية العلماء ” أن تظهر فرنسا رغبتها في الإصلاح الحقيقي وذلك بإنجازات علنية وصادقة وسريعة “. وقد طالب الوفد الجزائري من المسؤولين الفرنسيين الجدد في الجزائر، أن يعقد مؤتمر عام يضم النواب الجزائريين وممثلي كل الهيآت الإسلامية وذلك بقصد إصدار قانون أساسي يشتمل على الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وبذلك يشعر المسلمون أن مطالبهم هي في طريق التحقيق ويفهموا جيدا الواجبات التي يقومون بها في سبيل المجهود الحربي. لكن القادة الفرنسيين رفضوا هذه المطالب.(1)
وفي شهر جانفي من عام 1943 إتفق قادة الحركات الوطنية في الجزائر أن يعقدوا إجتماعا مشتركا بقصد تكوين تحالف بين الحركات السياسية في الجزائر وتحديد المطالب السياسية للشعب الجزائري. وحضر الإجتماع التأسيسي لهذا التحالف الدكتور بن جلول وفرحات عباس وتوفيق المدني من جمعية العلماء. وقد تم الإجتماع في مكتب المحامي أحمد بومنجل، وكان يرأسه الدكتور بن جلول. وبعد نقاش طويل، إتفق الجميع على إصدار وثيقة تتضمن النقاط التالية :
- إنشاء مجلس تأسسي لتحرير دستور لدولة الجزائر.
- تكوين حكومة جزائرية مستقلة، تشارك مع فرنسا ومع المتحالفين في المجهود الحربي بصفة جزائرية معترف بها.
- إلغاء تبعية الجزائر لفرنسا، على أن تكون العلاقات بينهما محددة بواسطة معاهدة حرة.
- إلغاء نظام الإستعمار، وتحديد ملكية الأرض، وتوزيع الأرض من جديد على الفلاحين الذين إنتزعت منهم في الماضي.
- الكف عن سياسة وحدة العلم البحري التي تجعل الجزائر أسيرة خاضعة لشركات النقل البحرية الفرنسية وتخسر بذلك أموالا طائلة.
- إنشاء النقد الجزائري الخاص بالدولة الجزائرية على قاعدة : الدينار يساوي 1000 فرنك – الدرهم يساوي 100 فرنك – الفلس يساوي فرنكا.
- دخول الجزائريين المستحقين حالا ميدان الوظائف العامة، على أن تصبح بعد قليل أغلبية الوظائف بيدهم حسب عددهم.
- إعلان وجود ” الجنسية الجزائرية ” على أن تشمل كل المسلمين، مع منحها لمن يريد من الفرنسيين واليهود.
- إنشاء مجلس إستشاري يضم نخبة الجزائريين حالا لكي يقف على تنفيذ هذا المنهج.
- تدعى الدولة الجزائرية حالا، بصفتها دولة مشاركة مع المتحالفين ” تقاتل معهم، ثم تحضر كل مؤتمرات السلام، وتكون عضوا بهيئة الأمم المتحدة، بعد قرار
السلام “.(1)
وفي الفترة الممتدة من سنة 1946 إلى غاية 1954 تركز نشاط جمعية العلماء على بناء المدارس لتعليم العربية، وجمع المال لتوظيف الأساتذة وإرسال البعثات من الجزائر إلى المشرق العربي وإقامة علاقات ثقافية وسياسية وتعليمية مع دول المشرق العربي. وتحقيقا لهذا الهدف، قامت جمعية العلماء بإرسال رئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي إلى القاهرة في سنة 1952 لكي يقيم إتصالات ثقافية وسياسية مع الدول العربية والإسلامية في المشرق، ويعرف بالجزائر هناك، وكان يساعده في هذه المهمة النبيلة الأستاذ الفضيل الورتلاني.
ثم إن جمعية العلماء تعتبر من أكثر التنظيمات السياسية نجاحا بعد الحرب العالمية الثانية في الميدان الإعلامي، حيث قامت بنشر جريدة ” البصائر ” بإنتظام حتى قيام ثورة التحرير، وساهمت بذلك في توعية أبناء الشعب الجزائري والتعبير عن آراء الفئة المثقفة في الحرية والإستقلال والتمسك بالمبادئ الثلاثة التي هي شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهي : ” الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا “.
وبما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت لها قاعدة شعبية عريضة في الريف الجزائري، وتدافع عن الشخصية الجزائرية وعدم التخلي عنها حتى في حالة الحصول على الجنسية الفرنسية، وتطالب بإستمرار بالمحافظة على اللغة العربية والتمسك بالإسلام، فقد كانت الأحزاب السياسية الوطنية في الجزائر تحترم مواقفها وتتفق معها في هذه النقاط. وفي هذا السياق، كانت جمعية العلماء من أوائل الحركات الوطنية الجزائرية التي شاركت في التحالف الذي وقع في الجزائر بين الأحزاب الوطنية في جوان (يونية) 1951. فقد كان يمثلها في ذلك التحالف الشيخ العربي التبسي والشيخ محمد خير الدين، بالإضافة إلى أحمد توفيق المدني. أما ممثل حركة إنتصار الحريات الديمقراطية في ذلك التحالف، فقد كان أحمد مزعنة، مولاي مرباح، وعبد الرحمن كيوان (وهي تشكيلة تمثل جميع الفصائل في الحزب). وبالنسبة لحزب أصدقاء البيان، فقد كان يمثله أحمد فرنسيس، أحمد بومنجل، البشير بويجرا، وقدور ساطور. وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي الجزائري فقد كان ممثله يونس كوش والسيد كاباليرو.
وحسب مذكرات أحمد توفيق المدني، الأمين العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة 1945، فإن هذه الحركة الوطنية لم تشارك فعليا في الأعداد لثورة أول نوفمبر 1954، لكن بعض قادتها كانوا على علم بأنها ستقع في خريف 1954، وكانوا على إستعداد لتأييد حركة التحرير الكبرى بالجزائر منذ البداية. وقد أوحى له بهذه الفكرة، أي إقتراب قيام الثورة، المناضل عمر دردور الذي إستقبل أحمد توفيق المدني خلال زيارته لباتنة في أكتوبر 1954 يوم قيامه بإفتتاح مدرسة هناك. كما أكد أنه علم من مصدر موثوق به بعد أيام بأن الثورة ستندلع عن قريب ولكنه لا يعرف التاريخ المحدد لذلك. وحرصا منه على الإستجابة لنداء الثورة منذ البداية قام أحمد توفيق المدني بدعوة أعضاء المجلس الإداري للجمعية للإجتماع يوم غرة أول نوفمبر 1954 بمدينة قسنطينة، وقرر المجلس بأن الجمعية تساند الثورة بدون تحفظ.(1)
وبالفعل، فقد بعث الأمين العام لجمعية العلماء برسالة إلى رئيس الجمعية الموجود بالقاهرة وأبلغه فيها بأن الثورة العارمة على الغاصبين قد أنطلقت وأسندت قيادتها لجبهة التحرير الوطني، لا لحزب واحد ولا لفرد، أي أنها قيادة جماعية. وطلب الأمين العام من رئيس الجمعية أن ينشر بإسمه بصفته رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين منشورا عاما، يبارك الثورة ويمجدها، ويدعوا الأمة للمشاركة فيها روحا وبدنا ومالا.(2)
واستجاب البشير الإبراهيمي لهذا النداء وقام في القاهرة بمشاركة الفضيل الورتلاني بإصدار بيان للشعب الجزائري حثه فيه على المشاركة في الجهاد من أجل تحرير البلاد من الهيمنة الإستعمارية. وطلب من الجزائريين في ذلك النداء أن يذكروا دائما في جميع أعمالهم ما دعاهم إليه القرآن من الصبر في سبيل الحق، وقوله تعالى : ” وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ” وقوله تعالى : ” كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله والله مع الصابرين “. وأكد الشيخ الإبراهيمي في بيانه للشعب الجزائري أنه يخجل من أن يراه الله ويرى الجزائريين مقصرين في الجهاد لإعلاء كلمة الله. وختم بيانه بقوله : ” إنني كلما إستعرضت الواجبات وجدت أوجبها وإلزامها في أعناقنا الجهاد المقدس “.
ونتيجة لإنضمام أعضاء جمعية العلماء إلى جبهة وجيش التحرير بدون تردد فقد قامت اليد الحمراء الفرنسية بإغتيال الشيخ العربي التبسي، في سنة 1956 وأعدمته في ظروف غامضة. أما الأستاذ أحمد توفيق المدني الأمين العام لجمعية العلماء، فقد إتصل بالسيد عبان رمضان، أحد قادة الثورة، عن طريق الأستاذ مندوز المناضل في صفوف جبهة التحرير، الذي جنده للعمل في الجبهة وطلب منه أن يذهب إلى القاهرة. وقد ألتقى به في منزل المجاهد عباس التركي ثم في منزل الشيخ محمد خير الدين النائب الثاني لرئيس جمعية العلماء.
أما بالنسبة للشيخ محمد خير الدين، النائب الثاني لرئيس جمعية العلماء، فقد أرسلته قيادة الجبهة في الجزائر إلى المغرب الأقصى حيث عين هناك سفيرا للجبهة لغاية 1962، وعين كذلك عضوا بمجلس الثورة الجزائرية.
3. النضال السياسي للحزب الشيوعي الجزائــري
المبادئ العامة للحزب الشيوعي الجزائــري :
إنه لمن العدل والإنصاف أن نقول منذ البداية أن الحزب الشيوعي الفرنسي يعتبر من أكثر الأحزاب الفرنسية تقربا وتفهما للقضية الجزائرية. وكان الحاج علي عبد القادر الذي يعتبر من الشخصيات المرموقة في الحزب الشيوعي الفرنسي هو الذي تبنى فكرة إنشاء حزب ” نجم شمال إفريقيا ” يوم 5 جوان (يونية) 1926 بباريس. وفي البداية كان الشيوعيون الفرنسيون يؤيدون فكرة إستقلال الجزائر وتونس ومحاربة الإمبريالية وذلك بقصد إستقطاب اليساريين في الجزائر وتونس وإنضمامهم إلى الحزب الشيوعي. لكن المشكل هو أن العمال الأروبيين سواء في الجزائر أو في فرنسا، أحتجوا على الحزب الشيوعي وبدأوا يتساءلون عن الفائدة من إستقلال الجزائر.
وبصفة عامة فإن الفكرة التي ارتسمت في أذهان الناس عن الحزب الشيوعي الجزائري ومن ورائه الحزب الشيوعي الفرنسي، أنهما لا يملكان برنامجا سياسيا واضحا، وأنهما لا يثقان في مقدرة الشعب الجزائري على القيام بثورة تحرير نفسه من قيود الإحتلال الفرنسي. وهذه السياسة كانت مسطرة من طرف الحزب الشيوعي الفرنسي منذ مؤتمره المنعقد بمدينة ” تور ” الفرنسية سنة 1920 حيث ألقى فيه الكاتب الفرنسي المعروف ” شارل أندري جوليان ” خطابا قال فيه بأن أبناء الجزائريين لن ينجحوا في القيام بأية ثورة. وفي حالة ما إذا حصلت ثورة فإنها لا تستطيع أن تفعل إلا شيئا واحدا وهو إقامة نظام يحل محل النظام الإستعماري، يكون في يد نخبة من المسلمين، ويكون هذا النظام السياسي أسوأ بالنسبة للشعب الجزائري من ذلك النظام الإستعماري(1).
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، حاول قادة الحزب الشيوعي الجزائري إدخال عدة عناصر مسلمة فيه أمثال الصادق هجريس، مبروك بلحوسين، بوعلام خالفة، عمر أوصديق، وبدأ يطبع دورية باللغة العربية عنوانها ” الجزائر الجديدة “. ونجح في رفع عدد المنخرطين فيه من 9.000 عضو في عام 1945 إلى حوالي 15.000 عضو في سنة 1947. وقد حافظ الحزب على هذا العدد الأخير لغاية 1952 حيث انخفض إلى 12.000 مناضل، مع فرق بسط وهو أن الأروبيين قد تضاءل عددهم بعد سنة 1946 في حين إرتفع عدد المسلمين في اللجنة المركزية للحزب. وفي المؤتمر السادس للحزب المنعقد في شهر فيفري 1952 حضره 142 منذوب من المسلمين الجزائريين و104 منذوب من الأروبيين، وتشكلت اللجنة المركزية للحزب من 30 مناضل مسلم و17 مناضل أروبي(2).
وفي الحقيقة أن مشكلة الحزب الشيوعي الجوهرية هي أنه لم يكن معتبرا حزبا جزائريا بأتم الكلمة. ولهذا لم يتمكن من تجنيد الجماهير ونيل ثقتها، مع العلم أنه أتهم أعضاء جيش وجبهة التحرير يوم 14 نوفمبر 1954 بأنهم لا يثقون في الجماهير ولهذا التجأوا للعمل العسكري(3)، ثم أن مشكلتهم الثانية أي الشيوعيين الجزائريين، هي أنهم كانوا يحاولون المحافظة على مصالح فرنسا ومصالح الجزائر في آن واحد، ولهذا فشلوا في ترضية أي طرف. وأكثر من ذلك، فإن مشكلتهم الثالثة هي أنهم كانوا ضد إستعمال العنف وحمل السلاح لجبر فرنسا على الإعتراف بحقوق الجزائريين. ولهذا فإن إلتزامهم بإستعمال الأسلوب الديمقراطي والمشاركة في الإنتخابات المزورة من طرف الإدارة الإستعمارية قد جعلهم يفقدون المصداقية في الأوساط الشعبية. وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن مشكلتهم الرابعة هي أنهم كانوا ينتهجون سياسة مستمدة ومستوحاة من الخارج وليس من الجزائر. فقد كانوا يعملون وفقا للإستراتجية المسطرة من الشيوعية الدولية أو الكتلة الإشتراكية وليس وفقا لمصلحة الجزائر.
ونستخلص من ما تقدم، أن الحزب الشيوعي الجزائري لم يشكل في أي يوم من الأيام قوة معتبرة في الجزائر، ولم يؤثر في مجرى الأمور سواء قبيل قيام ثورة التحرير في سنة 1954 أو بعدها. وقد كان أمينه العام السيد العربي بوهالي (من 1947 إلى غاية 1962) متصارعا مع قادة حزب إنتصار الحريات الديمقراطية الذي يرأسه مصالي الحاج، والإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي يرأسه فرحات عباس، ولم يحقق أية نتيجة إيجابية. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن بشير حاج علي الذي صار يعمل في الخفاء بعد قيام ثورة نوفمبر 1954. ولعل الشخص الوحيد الذي لعب دورا في جر الحزب الشيوعي الجزائري إلى الوقوف بجانب جبهة وجيش التحرير الوطني ضد فرنسا، هو السيد صادق هجريس الذي أنضم إلى الحزب سنة 1950 ثم ترقى في المسؤولية وأصبح عضوا باللجنة المركزية للحزب سنة 1952 ثم عضو المكتب السياسي سنة 1955. وفي شهر مارس من عام 1956 قرر قادة الحزب الشيوعي الجزائري إنشاء منظمة عسكرية خاصة بهم وأطلقوا عليها إسم ” المحاربون
للتحرير “(1). وتتكون هذه المنظمة من بشير حاج علي، الصادق هجريس، قروج (مسؤول عن ناحية الجزائر) بوعلام خالفة (مسؤول عن ناحية وهران). ومن الأروبيين كامي لاريبير، جاك سالور، ويليم سبورطيس (مسؤول عن ناحية
قسنطينة). وفي يوم 5 جوان 1956 تمكن الجيش الفرنسي من القضاء على معظم الأفراد الذين جندتهم هذه المنظمة وأرسلتهم إلى ناحية الشلف وتنس. وفي أول جويلية 1956 تفاوض الصادق هجريس مع عبان رمضان بشأن قبول البقية من المحاربين الشيوعين في صف جيش التحرير الوطني. وفي نفس السنة، أي 1956، تم تكليف عمر أوصديق بالولاية الرابعة بالعمل من أجل دمج الشيوعيين في حركة التحرير الوطنية في الولاية الرابعة(2).
حزب الشعب الجزائري يمهد الطريق
لمعركة الحريـة والإستقـلال
يمكن أن يقال أن حزب ” نجم شمال إفريقيا ” قد إستطاع أن يجمع في صفوفه جميع العناصر الجزائرية المتحمسة للعمل من أجل خلق كتلة وطنية ضد الأروبيين في الجزائر وإسترجاع السيادة الوطنية للجزائر. ومنذ البداية أعلن مصالي الحاج أن حزبه يسعى ويناضل من أجل : ” إستعادة الأراضي المغتصبة وحصول الجزائر على إستقلالها التام، وخروج القوات الفرنسية منها، وإنشاء جيش وطني جزائري، وإنتخاب برلمان جزائري عن طريق الإقتراع العام “(1).
وأنزعجت فرنسا من موقف الحزب وبرنامجه السياسي، فقامت بحله يوم 20 نوفمبر 1929 بدعوى أن أعضاء حزب ” نجم شمال إفريقيا ” يقومون بدعاية مغرضة وأعمال تمس بالسيادة الوطنية الفرنسية. وأضطر مصالي الحاج وزملاؤه في النضال أن يشتغلوا في سرية تامة لغاية 1933 حيث قرر مصالي الحاج، عيمش علي، وراجف بلقاسم إعادة تأسيس الحزب تحت إسم جديد هو : ” نجم شمال إفريقيا المجيد “(2). وفي المؤتمر العام للحزب الجديد الذي عقد يوم 28 ماي 1933 بفرنسا، إتفق أعضاء الحزب على وضع برنامج شامل للحزب تضمن ما يلي :
- مطالبة فرنسا الإعتراف بالحريات الأساسية.
- إلغاء نظام البلديات المختلطة والأراضي العسكرية.
- الإعتراف بحق الجزائريين في الحصول على جميع الوظائف.
- التعليم الإجباري باللغة العربية.
- إلغاء القوانين الجائرة.
- إنشاء برلمان وطني منتخب عن طريق الإقتراع العام.
- إنشاء حكومة وطنية ثورية مستقلة بالجزائر تقوم بتشكيل برلمان إنتقالي.
- إعادة البنوك والمناجم والسكك الحديدية والإملاك العامة إلى الدولة الجزائرية.
- مصادرة الأملاك الكبيرة الحجم.
- التعليم يكون مجانا وإجباريا في جميع المستويات والتدريس باللغة العربية.
- تعترف الدولة الجزائرية بحق الإضراب والعمل النقابي وسن القوانين الإجتماعية.
- تقديم مساعدات عاجلة إلى الفلاحين وهذا عن طريق تقديم قروض للفلاحة بدون فائــدة(1).
وبإختصار، فإن مصالي قد أصبح في سنة 1935 الرجل القوي الذي يحرك الشارع، والقائد الذي يتزعم ويقود الجزائريين نحو الإستقلال والمعترف به محليا ودوليا بأنه يحظى بتأييد جماهيري في فرنسا وفي الجزائر. ولكن حزب ” نجم شمال إفريقيا ” أصبح يعاني ليس فقط من التعسف المستعمل ضد قاعدته من طرف الشرطة الفرنسية ولكن يعاني أيضا من نقص المال ومن صعوبة إقامة إتصال وثيق بين المناضلين في القاعدة وقيادة الحزب. ولهذا قرر مصالي في شهر ديسمبر 1935 أن يلتجئ إلى جنيف حيث يوجد الأمير شكيب أرسلان، ويترك الخلايا الحزبية في القاعدة تشتغل تحت قيادة مساعديه أمثال سي جيلاني، يحياوي، بنون، أكلى، بورنان، خضير عمار. وباختصار، فالمحافظة على القيادة خارج السجون وعدم عزلها هي الإستراتجية الجديدة لمصالي الحاج.
وفي يوم 26 جانفي 1937 قررت الحكومة الفرنسية حل حزب مصالي الحاج، ولذلك قرر مصالي الحاج إنشاء حزب وطني جزائري جديد يجسم نفس المبادئ التي قام عليها حزبه المنحل. وفي يوم 11 مارس 1937 أنشأ حزبه الجديد الذي أصبح يحمل إسم ” حزب الشعب الجزائري ” وذلك بمساعدة أصدقائه مبارك الفيلالي، معاوية عبد الكريم، وقراندي. ويبدوا أن مصالي قد أدخل تعديلات جزئية على برنامج حزبه الجديد. فقد وضع ميثاقا إقتصاديا وأصبح يركز على التجارة والفلاحة والإسلام. ولعل الهدف الرئيسي من هذا التغيير هو منافسة جمعية العلماء والحصول على دعم التجار البورجوازيين وفسح المجال لجميع الفئات أن تشارك في حزبه وبذلك يكون لهذا الحزب قاعدة شعبية عريضة وخاصة في الجزائر التي أصبح يتنافس فيها مع الأحزاب ذات القاعدة الإجتماعية العريضة.
وفي نفس الوقت ساءت العلاقة بين مصالي الحاج والأحزاب التي شكلت فيما بينها المؤتمر الإسلامي. فقد حاول مصالي أن يشارك في المؤتمر الثاني للمؤتمر الإسلامي ولكن طلبه رفض وذلك في شهر جويلية 1937. وعلى الساعة الخامسة من صبيحة يوم 27 أوت 1937 جاءت الشرطة إلى بيت مصالي الحاج لتلقي القبض عليه وتنقله إلى سجن بربروس مع بعض قادة حزبه. وخوفا من وقوع إضطرابات خلال إستجوابه بالمحكمة، قرر قاضي التحقيق في نهاية شهر أكتوبر من عام 1937 الإنتقال إلى سجن بربروس واستجوابه هناك، وأثناء محاكمته يوم 2 نوفمبر 1937، ألقى كلمة أمام قضاة المحكمة عبر فيها عن إندهاشه من إتهامه بأنه ضد الفرنسيين، وقال لرئيس المحكمة، أن المطلب الرئيسي لحزبه هو التحرير وإنشاء برلمان جزائري. وتساءل أمام هيئة المحكمة : ” هل المطالبة بتحويل المجلس النيابي إلى برلمان ينتخب عن طريق الإقتراع العام يعتبر جريمة ؟ هل المطالبة بإنشاء برلمان وطني جزائري يدل على أننا ضد الفرنسيين ؟ “، وأكد لأعضاء المحكمة حقيقة لا يستوعبها الفرنسيون عندما قال لهم: ” إننا يا سيادة الرئيس، شعب، عندنا لغتنا، وهذه اللغة غنية جدا. عندنا ماضينا المجيد. إننا نملك كل شيء لتكوين شعب “(1). وفي نهاية الأمر حكمت عليه المحكمة، مع 3 من زملائه بالسجن لمدة 24 شهرا، ثم نقل الأربعة إلى سجن الحراش، وفي داخل السجن، عمل مصالي على تحويله إلى مدرسة حيث تطوع مفدي زكريا لتدريس اللغة العربية للمساجين السياسيين وحسين لحول تحول إلى معلم للغة الفرنسية، بينما تطوع مصالي الحاج لإلقاء محاضرات سياسية(2). وفي داخل ذلك السجن بلغه وفاة والده وإزدياد بنته جنينة في شهر مارس 1938.
وابتداء من سنة 1945 إنقسم أعضاء حزب الشعب إلى قسمين. هناك جناح ثوري يدعو إلى إنشاء تنظيم عسكري سري وتغيير إدارة الحزب الموجودة، وهناك جناح آخر يدعو إلى قيام تنظيم جديد يقوم على الشرعية ومواصلة العمل الثوري. ويبدو أن مصالي الحاج لم يكن مؤيدا للقيام بثورة آنذاك لأن الوقت لم يحن بعد للقيام بذلك العمل الهام.(1)
وفي المؤتمر الأول لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في فيفري 1947، تقرر تكوين ” المنظمة الخاصة “(2) وهي منظمة شبه عسكرية يتمثل دورها في إقتناء السلاح وتدريب الأفراد الذين يخوضون معركة التحرير في المستقبل. وبالرغم من معارضة مصالي للقيام بأي عمل عسكري في ذلك الوقت لأنه كان يرى أن الوقت لم يحن بعد لذلك، فقد وافق أعضاء الحزب على تكوين هذه المنظمة السرية كجناح عسكري للحزب، وأسندت قيادتها إلى محمد بلوزداد ويساعده في ذلك أحمد محساس. وقد تكونت المنظمة من 8 عناصر ثورية هم : (1) محمد بلوزداد (2) حسين آيت أحمد (3) بلحاج جيلالي (4) أحمد بن بلة (5) محمد بوضياف (6) رجمي جيلالي (7) أحمد محساس (8) محمد ماروك(3). وعقدت اللجنة أول إجتماع لها في منزل بلوزداد بالقبة (في العاصمة) يوم 13 نوفمبر 1947. وبعد إجتماع ثاني، أصيب بلوزداد بمرض ونقل في شهر ديسمبر 1949 إلى فرنسا للعلاج حيث توفي هناك يوم 14 جانفي 1952. وخلفه في منصب المسؤول الأول عن ” المنظمة الخاصة ” الشاب حسين آيت أحمد الذي قام بعمل رائع. ونجح في تجنيد حوالي 1000 مناضل للقيام بالعمل العسكري. ونجحت المنظمة في توفير تدريبات عسكرية لمختلف المجموعات العسكرية في شهر جانفي 1948 وأوت 1948.
غير أن فرنسا اكتشفت أسماء قادة المنظمة السرية في بداية 1950 وحاولت أن تلقى القبض عليهم. وخوفا على حظر الحزب، قررت قيادته تهريب خيضر إلى القاهرة، وبإختصار، فإن إكتشاف المنظمة الخاصة قد نتج عنه انشقاق آخر بالحزب حيث رأى محمد بوضياف وجماعة أخرى من قادة الحزب، أن كبار المسؤولين في الحزب يسعون للمشاركة في الإنتخابات والإقتداء بأحزاب أخرى، ولذلك ارتأت الجماعة المؤيدة للعمل العسكري أن تعمل في السرية التامة وتجمع السلاح، ثم تقوم بالعمل العسكري، على أمل أن الجماهير الجزائرية تساندها وتتخلص من زعم الحزب ومن الأحزاب الأخرى التي تؤيد الإصلاحات السياسية الفرنسية. ومن حسن حظ الجماعة المؤيدة للعمل العسكري، أن رئيس الحزب الذي كان يحبذ الإعتماد على الجماهير الشعبية ويحرضها للنضال تحت قيادته، قد ألقي عليه القبض وقامت فرنسا بنفيه يوم 14 ماي 1952، وبذلك ترك مصالي الحاج، المجال مفتوحا لخصومه، أن ينفردوا بقيادة الحزب حتى يوم قيام الثورة الجزائرية في أول نوفمبر 1954.
وفي بداية 1954، قررت الجماعة المؤيدة للعمل المسلح في الحزب أن تكون
” اللجنة الثورية للوحدة والعمل “ هي التي تكون بمثابة جبهة وطنية تشارك فيها جميع الأحزاب، بحيث يكون هدفها الأساسي هو تحرير الجزائر من الهيمنة الفرنسية لأن ما تم أخذه بالقوة لا يمكن استرجاعه إلا بالقوة، وبالفعل ففي يوم 23 مارس 1954 تم إنشاء ” اللجنة الثورية للوحدة والعمل ” بعد أن تأكد أعضاؤها أن مصالي الحاج لا ينوي القيام بالعمل المسلح وأن هدفه الأول هو تطهير قيادة الحزب من العناصر الثورية(1).
وفي يوم 25 جوان 1954 إجتمع الأعضاء 22 من الثوريين الذين قرروا الإنتقال إلى العمل المسلح بعد أن عجزت قيادة حزبهم عن الإنتقال من مرحلة النضال السياسي من خلال الإنتخابات المحلية المزورة إلى مرحلة النضال العسكري وإسترجاع السيادة الجزائرية بقوة السلاح. وقد ترأس الإجتماع الذي إنعقد بمنزل إلياس دريش في المدنية بالجزائر العاصمة، المناضل مصطفى بن بولعيد، بينما قام محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وديدوش مراد بتقديم تقارير مختلفة عن ما يجري في الساحة السياسية آنذاك. وختم محمد بوضياف تقريره عن تطور الحزب والأزمة التي يتخبط فيها بالعبارات التالية : ” نحن الأعضاء السابقون في المنظمة الخاصة، ينبغي علينا، أمام أزمة الحزب ووجود حرب تحرير بكل من تونس والمغرب، أن نتشاور ونقرر ما ينبغي عمله مستقبلا “(2).
وفي يوم 22/06/1954 اجتمع قادة العمل المسلح (22 عضو) في منزل عيسى كشيدة في حي القصبة (بالجزائر العاصمة) وقررو تنظيم الفرق التي تتولى جمع السلاح وصنع المفرقعات اللازمة للثورة المسلحة، ثم عقدوا اجتماعا آخر يوم 22 سبتمبر 1954 وقرروا :
- تسمية المنظمة السياسية بـ : ” جبهة التحرير الوطني الجزائري “.
- تسمية المنظمة العسكرية بـ : ” جيش التحرير الوطني الجزائري “.
- اللامركزية في العمل نظرا لإتساع الجزائر وصعوبة قيام جهاز مركزي بتسيير الثورة تسييرا فعالا وخاصة في وقت صعبت فيه الإتصالات.
- توزيع المسؤوليات في داخل الجزائر كالتالي :
- المنطقة الأول : بقيادة مصطفى بن بولعيد (ونائبه بشير شيهاني).
- المنطقة الثانية : بقيادة مراد ديدوش (نائبه يوسف زيغود).
- المنطقة الثالثة : بقيادة كريم بلقاسم (ونائبه عمر أوعمران).
- المنطقة الرابعة : بقيادة رابح بيطاط (ونائبه بوجمعة سويداني).
- المنطقة الخامسة : بقيادة العربي بن مهيدي (ونائبه عبد الحفيظ بوصوف).
- المنطقة السادسة : تعيين قيادتها فيما بعد.(1)
ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن القيادة الأولى لجبهة التحرير الوطني الجزائري الذين وقع عليهم الإختيار يوم 23/06/1954، وهم :
أ)- في الداخــل : (1) مصطفى بن بولعيد، (2) العربي بن مهيدي، (3) رابح بيطاط، (4) مراد ديدوش، (5) محمد بوضياف، (6) كريم بلقاسم.
ب)- في الخــارج : (7) أحمد بن بله، (8) محمد خيضر، (9) حسين آيت أحمد.
جبهة التحرير الوطني الجزائري تقود معركة التحرير
في الساعة الواحدة من ليلة أول نوفمبر 1954 انطلقت الرصاصة الأولى لثورة التحرير الكبرى، كما هو مخطط لها. وبدون شك، فإن جدية وأهمية ثورة نوفمبر 1954 تكمن في وضع جميع المسؤولين والمناضلين في الأحزاب الجزائرية أمام الأمر الواقع، لأن اندلاع الثورة قد فرض عليهم الإختيار بين الإنضمام إلى الثورة لتحرير الوطن أو البقاء مع غلاة الإستعمار وعملاء فرنسا في الجزائر. وبرزت أهمية هذه الإستراتجية في تسمية الحركة الجديدة باسم “ جبهة التحرير الوطني الجزائري ” وكان القصد من وراء هذه التسمية هو فتح باب الإنخراط في صفوف الحركة أمام الجميع لأن تحرير أي بلد لا يمكن أن يكون حكرا على حزب واحد.
وإذا كان الثوريون قد نجحوا في إنشاء جبهة التحرير الوطني وحملوا مشعل الحرية بقصد تحرير الجزائر من الإحتلال الفرنسي، فإن مشكلة قادة الجناح العسكري هي أن الثورة انطلقت بدون زعيم، وبدون خطة مرسومة وبدون وجود أسلحة كافية لخوض معركة التحرير الفاصلة.
وابتداء من عام 1955 برزت قيادة جديدة للثورة الجزائرية تمركزت في العاصمة الجزائرية بعد تعيين عبان رمضان في جبهة التحرير الوطني الجزائري في جانفي 1955 وتعيين بن يوسف بن خدة كأحد مساعديه ابتداء من شهر ماي 1955، وارتكزت خطة قيادة الداخل على توسيع جبهة التحرير الوطني الجزائري ودعمها بقادة حزب البيان أمثال فرحات عباس وأحمد فرنسيس وقادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أحمد توفيق المدني والشيخ العربي التبسي وابراهيم مزهودي. وبعبارة أخرى، فإن النواة الجديدة للثورة الجزائرية قد نجحت في خلق قيادة جماعية للثورة في داخل الجزائر.
وتدعمت الثورة الجزائرية والقيادة الجديدة لجبهة التحرير الوطني الجزائري في شهر أوت من عام 1956 بعقد مؤتمر الصومام الذي تقرر فيه :
- إنشاء تنظيم إداري جديد للجزائر (تقسيم الجزائر إلى 6 ولايات، وتعيين القادة للولايات).
- إنشاء تنظيم عسكري موحد تحت قيادة واحدة.
- تأسيس المجلس الوطني للثورة الجزائرية (برلمان) الذي يتكون من 17 عضو دائم و17 عضو إضافي.
- إنشاء سلطة تنفيذية (لجنة التنسيق والتنفيذ) منبثقة عن المجلس الوطني للثورة الجزائرية.
واكتملت مؤسسات الثورة الجزائرية بإنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية يوم 19 سبتمبر 1958 حيث أصبحت هي السلطة التنفيذية لجبهة التحرير الوطني الجزائري وهي الهيئة السياسية الوحيدة للتفاوض مع الحكومة الفرنسية. وبالفعل، ففي يوم 14 جوان 1960 ألقى الرئيس الفرنسي ديغول خطابا أعلن فيه عن استعداد فرنسا لإستقبال أي وفد جزائري ترسله الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بقصد التفاوض مع الحكومة الفرنسية. ولتدعيم موقفه من المفاوضة مع قادة الثورة الجزائرية، أجرى ديغول استفتاء على تقرير المصير في الجزاء وأيده 75 % من الفرنسيين في فرنسا و53% في الجزائر، وبذلك مهد الطريق للمفاوضات الفرنسية الجزائرية التي جرت في مدينة ” إفيان ” السويسرية، والتي تكللت بالنجاح يوم 18 مارس 1962، وتم إطلاق سراح القادة الجزائريين الخمسة في السجون الفرنسية، وجرت الإنتخابات الخاصة بتقرير المصير يوم 3 جويلية 1962 حيث أدلى 6 ملايين ناخب جزائري وجزائرية بأصواتهم وعبروا عن رغبتهم في حصول الجزائر على الإستقلال التام، وحسب الإحصائيات الرسمية، فقد صوت لصالح الإستقلال التام 5.951.581 ناخب بنعم، بينما صوت ضد الإستقلال 16.534 معارض.(1)
لماذا توحد الجزائريون ضد فرنسا ؟
لقد توسعنا في شرح التطورات السياسية ودور الحركات الوطنية الجزائرية في العمل من أجل تحرير البلاد من السيطرة الإستعمارية. وبدون شك، فإن الحركات الوطنية الجزائرية هي التي أثرت في الرأي العام الجزائري وحرضته على القيام بثورة مسلحة ليلة أول نوفمبر 1954 للتخلص من سيطرة الأجانب في الجزائر وإنهاء سياسة تزوير الإنتخابات المحلية وحرمان الجزائريين من حقوقهم السياسية في وطنهم.
والسؤال الذي يطرح هنا بإلحاح هو : كيف توحد الجزائريون، بالرغم من إختلاف أحزابهم، وقاموا بتأييد الثورة منذ البداية، وضحوا بكل ما يمتلكون من أجل نجاح ثورتهم التحريرية ؟ والجواب على ذلك هو أن الشعور بالظلم والحرمان وبتطبيق القوانين الجائرة على الجزائريين هي العوامل الرئيسية التي دفعت بأبناء الجزائر أن يلتحقوا بالجبال أو ينخرطوا بخلايا جبهة التحرير في المدن والمساهمة في تحرير وطنهم من الأوربيين الغاصبين لخيرات الجزائر. وفي الحقيقة، كان هناك من يطالب بتأجيل عملية القيام بعمل مسلح إلى أن يتم تدريب الرجال وشراء السلاح وتوحيد العمل السياسي. لكن الرأي الذي إتفق عليه قادة الحركة الوطنية هو الشروع في الثورة حالا والسلاح يمكن اقتناؤه، والأحزاب تتوحد في جبهة واحدة عندما تجد نفسها أمام الأمر الواقع، والشعب سيساند الثورة لأن جميع أبناءه يشعرون بالظلم والحرمان، وهم على إستعداد للإنضمام لأية حركة سياسية تقوم بالثورة ضد الأجانب في بلدهم.
ونستخلص من ما تقدم، أن هناك عدة عوامل ساعدت على توحيد الجزائريين وتحمسهم للعمل الثوري. ومن هذه العوامل نخص بالذكر النقاط التالية التي نعتبرها حيوية لمساندة الثورة وحصول الجزائر على إستقلالها في سنة 1962.
1. النقطـة الأولــى : هي إنعدام المساواة بين الجزائريين والأروبيين حيث نجد في فرنسا كل السكان يصوتون على إختيار ممثليهم في البرلمان الفرنسي بينما نجد في الجزائر أن أبناء البلد الأصليين لا يحق لهم التصويت على أي مرشح للبرلمان الفرنسي أو المجلس الجزائري الذي تم أنشاؤه بمقتضى قانون 20 سبتمبر 1947.
2. النقطـة الثانيــة : هي إنعدام الديمقراطية وإستعمال ” ألفيتو ” أو حق الإعتراض على أي قرار يتخذه المجلس الجزائري.
3. النقطـة الثالثــة : هي الزيادة الهائلة في السكان الجزائريين والنتائج المترتبة عن ذلك سواء من ناحية صعوبة العثور على عمل أو من ناحية الحصول على تعليم.
4. النقطـة الرابعــة : هي أن الأروبيين في الجزائر قد إستولوا على نسبة كبيرة من الأراضي الخصبة في الجزائر وإستأثروا بخيرات الوطن وذلك على حساب أبناء البلد الأصليين. فالإحصائيات تشير إلى أن 72% من الجزائريين كانوا يعيشون على الفلاحة مقابل 16% من الأروبيين، لكن نسبة ملكية الأرض الصالحة للزراعة هي 109 هكتارات للأروبي، و14 هكتار فقط للجزائري.(1) كما يلاحظ أن الجزائريين كانوا يعانون من الفقر والمجاعة في سنة 1954.
5. النقطـة الخامســة : التي تؤخذ بعين الإعتبار هي قضية القروض والدعم المالي للزراعة والصناعة.
6. والنقطـة السادســة : التي يتعين علينا أن نشير إليها هي أن الموظفين الجزائريين، بصفة عامة، كان عددهم ضئيلا وذلك بسبب عدم حصول أبناء الشعب الجزائري على مستوى رفيع من التعليم، ولهذا لم يكن بإمكانهم منافسة أي أروبي.
7. والنقطـة السابعــة : هي حرمان الجزائريين من التعليم لأن الفرنسيين كانوا يعتقدون أن التعلم يخلق الوعي واليقظة ومقاومة الإحتلال والمطالبة بالحقوق السياسية.
ونستخلص من ما تقدم أن الثورة الجزائرية تميزت عن غيرها من الثورات الأخرى في العالم فيما يلي :
- أنها ثورة جماهيرية غير مسيرة من طرف زعيم واحد.
- أنها ثورة ذات عقيدة إسلامية الإسلام جسم القيم العليا للشعب الجزائري وساهم في حماية الشخصية الوطنية من الذوبان في الشخصية الأروبية.
- إنها ثورة قامت على أساس قيادة مشتركة وعمل جماعي.
- إنها ثورة قادتها عناصر وطنية تنتمي للفلاحين والعمال ومحاربة الظلم والإستبداد.
الحسابات الخاطئة في إستراتيجية الأروبيين؟
لقد تكلمنا عن خصائص الثورة الجزائرية وإستراتيجيتها لتحرير الإنسان والبلاد من الهيمنة الأجنبية. والآن يجدر بنا أن نشير، ولو باختصار، إلى خطط الجالية الفرنسية في الجزائر ونظرة قادتها إلى كيفية إخماد الثورة ومعاقبة قادتها. فمن جملة التصورات التي كانت تجول بأذهانهم نخص بالذكر النقاط التالية:
- أن إيديولوجية الثورة مستوحاة من الخارج، أي أن جمال عبد الناصر وقادة العالم العربي هم الذين حرضوا قادة الجبهة على القيام بالثورة وطرد فرنسا من شمال إفريقيا. ولهذا ينبغي القضاء على هذه العناصر الوطنية التي تعتنق إيديولوجية معينة وتطمح للوصول إلى السلطة والاستيلاء على الحكم.
- أن استراتيجية الثورة مبنية على حرب الاستنزاف وإطالة أمد الحرب حتى تنهك قوى فرنسا اقتصاديا وتقبل في النهاية التفاوض مع الجبهة وترك الجزائر لأنها غير قادرة على تحمل الخسائر المالية. ولهذا ينبغي أن تستعمل فرنسا كل قوتها وتهزم الثوار بسرعة.
- أن خطة جبهة التحرير هي الاعتماد على السكان في الريف وجلبهم إلى صفها وتجنيدهم لخدمة قضيتها. ولذلك ينبغي أن تنزل فرنسا أشد العقوبات بالقادة الذين يتعاونون مع الجبهة وينشرون أيديولوجيتها في صفوف السكان. وبالتخلص منهم تفقد الثورة تلك العناصر القيادية التي تقوم بعمليتي التوجيه الأيديولوجي والحربي في آن واحد.
- أن الحيلة التي تستعملها الجبهة هي الدخول في مفاوضات من أجل السلام، لكن الثوار في الواقع، لا تهمهم المفاوضات ووضع حد للحرب، وإنما الشيء الذي يهمهم بالدرجة الأولى هو الاعتراف بالجبهة كقوة سياسية وذلك لكي يحصل الثوار على مكاسب سياسية ويستولوا على السلطة في النهاية. فالمفاوضات بالنسبة للجالية الأوربية بالجزائر ماهي إلا مقدمة للإستيلاء على الحكم بطريقة تدريجية(1).
- أن الجبهة تحصل على مساعدات من الخارج لتمويل الحرب التحريرية، ولذلك لابد من فرض رقابة قوية على الحدود ومنع هذه المساعدات من التسرب إلى داخل الجزائر.
- أن الاحتكاك الموجود بين سكان الريف ورجال الجبهة هو الذي يتسبب في انتشار الثورة وتمويل الثوار وتزويدهم بأخبار تحركات القوات الفرنسية. ولهذا ينبغي نقل السكان من ديارهم وجمعهم في محتشدات تكون مراقبة ومحمية من طرف الجيش الفرنسي. وبذلك يمكن حماية السكان من دعاية الجبهة وتهديد رجالها لهم بالقتل إن هم امتنعوا عن تقديم مساعدة لها.
- أن القادة الذين يقعون في قبضتي قوات الأمن والجيش الفرنسي لابد أنهم تعرضوا لمغالطات ودعاية جبهة التحرير. ولهذا من الواجب إعادة تربيتهم وتوجيههم توجيها صحيحا.
- بما أن الجزائر بالنسبة لفرنسا جزء لا يتجزأ منها، فقد طالب المستوطنون الفرنسيون بالبحث عن أيديولوجية جديدة لفرنسا في العالم. وتقوم هذه الأيديولوجية على أساس حماية الجزائر وإنقاذها من السقوط في مخططات الوحدة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج.
- أن الجيش الفرنسي هو رمز قوة الدولة العظمى، وعليه فلابد أن يكسب هذه المعركة بالجزائر ويستعيد مكانته المحترمة في المجتمع الفرنسي.
- أن تواجد الجيش الفرنسي بكثرة في الجزائر يكلف الدولة ثمنا باهظا، ولذلك لابد أن يعتمد المستوطنون الأوربيون في الجزائر على أنفسهم ويقوموا بالمهام المسندة إليهم والدفاع عن أنفسهم دون الاعتماد عن الجيش(2).
هذه هي الخطط المضادة للثورة الجزائرية التي أعدها قادة الجالية الأوروبية بالجزائر لخنق الثورة والتغلب على ثمانية ملايين جزائري والمحافظة على امتيازاتهم السياسية والاقتصادية بشمال إفريقيا. ولكن هذه الحسابات والاستراتيجيات كانت خاطئة وغير ناجحة لأن المحتلين الأجانب أساءوا التقدير وتجاهلوا مقدرة الشعب على تنظيم أبنائه وتوجيه ضربات قاضية لمجموعة من المغامرين الأوروبيين الذين عاثوا في الأرض فسادا واستطاعوا أن يقنعوا فرنسا بأنهم يشكلون النخبة التي تدعم وجودهم بالجزائر. وهذه إحدى الغلطات الفداحة التي ارتكبتها السلطات الفرنسية بالجزائر حيث سمحت لمجموعة من المعمرين أن يتصرفوا كما يحلوا لهم، ولم تجبرهم على إقامة مؤسسات دستورية وأجهزة إدارية قادرة على تقديم الخدمات والاستجابة لرغبات المواطنين الجزائريين. كما أن هذه الاستراتيجيات قد فشلت لأن التحالف بين السلطات الفرنسية في باريس والجالية الأوروبية في الجزائر كان وثيقا ولم يبق أي مجال للجزائريين سوى التحالف فيما بينهم وتكوين جبهة مشتركة ضد المتطرفين الاروبيين المصممين على إذلالهم وإهانتهم. فالمستوطنون الأوربيون كانوا لا يثقون في الجزائريين، وإمكانية العمل الجماعي والحوار والتفاهم بشأن خدمة البلاد كانت معدومة. كما أن الأوروبيين كانوا يواجهون الضربات بطريقة عمياء إلى كل الجزائريين وذلك في حالة تعرضهم لأي ضرر أو هجوم مفاجئ. كما فشلت خطتهم، أيضا، بسبب المحاولات المبذولة لإبقاء الجزائر متخلفة وغير مصنعة حتى لا تكون هناك منافسة للبضائع الفرنسية في الجزائر ويستمر الجزائريون في العمل بأجور زهيدة سواء في الزراعة أو في أعمال أخرى يقوم بها المعمرون الأوربيون. ثم أن المليون أوروبي المتواجدون بالجزائر عند قيام الثورة في عام 1954 كانوا يحلمون بالاحتفاظ بامتيازات كبيرة وسلطات واسعة ويحتكرون المناصب السياسية العليا، في حين أن عددهم صغير مقارنة بثمانية ملايين من الجزائريين، وقوتهم الحقيقية كانت لا تضاهي مطالبهم وليس في إمكانهم الدفاع عن أنفسهم في حالة قيام مجابهة حقيقية بينهم وبين أبناء البلد الأصليين الذين يفوقونهم قوة وعددا.
خلاصة واستنتاجات
إن فكرة الثورة في الجزائر كانت في أذهان الجزائريين منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدام الفرنسيين أراضيهم. وقد كانت الأعمال الثورية عبارة عن انتفاضات في جهات ومناطق معينة، كان في إمكان الفرنسيين تطويق تلك الجهات والقضاء عليها وتسليط أشد العقوبات على كل من تجرأ ان يتمرد على فرنسا. لكن الوضع تغير في عام 1954 حيث انطلقت الثورة على المستوى الوطني وأخذت طابعا شموليا وتنسيقيا محكما وتعذر على القوات الفرنسية أن تحاصرها وتقضي عليها في الإبان. كما أصبحت فكرة الثورة في عام 1954 عبارة عن أيديولوجية قوية تستمد جذورها من الواقع الجزائري ومن الأوضاع العامة المتدهورة. وساعدت تلك الأيديولوجية الوطنية قادة الثورة في تفجير الثورة وتحويل النظريات إلى مناهج عمل لتحرير الإنسان والأرض واستعادة السيادة الوطنية عن طريق العنف والقوة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بنفس الطريقة. وقد أصبحت الأيديولوجية الثورية للجزائر للسند الفكري لجبهة التحرير التي اعتمدت على تلك الآراء الثورية لكي تطيح بالنظام الاستعماري الفاسد، وتوحد آراء جميع الجزائريين وتجعل منهم شعبا متحدا، ويشترك جميع أبنائه في خوض معركة المصير المشترك، وتخليص الوطن من الهيمنة الاستعمارية.
إن ثورة الجزائر قد عبرت عن آمال كل إنسان مضطهد في الجزائر وخلقت قناعات عامة بأن الأسلوب الثوري هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن كل فرد من المساهمة في تغيير الأوضاع لصالحهم ولصالح المجموعات المحرومة مثلهم. فالثورة بالنسبة للمواطن الجزائري أصبحت هي الوسيلة الوحيدة لإعادة الاعتبار إليه وتمكينه من تشييد حياة أفضل وإعطائه الفرص الذهبية لتحقيق ما يصبوا إليه من رفاهية وحياة كريمة. إن الشعور المشترك بالظلم قد دفع بالجزائريين أن يقيموا علاقات جديدة فيما بينم تقوم على أساس التعاون والاعتماد على القرآن وقواعد العمل الإسلامية والتشاور فيما بينهم بشأن خلق التنظيم الاجتماعي الذي يليق بالجزائر في أوقات الحرب وأوقات السلم.
وبمضي الوقت تحولت الأيديولوجية السياسية لجبهة التحرير إلى قواعد وإجراءات عمل لتدعيم الجهاز المركزي للدولة الجزائرية، ووسيلة فعالة لتنظيم القوة التي اكتسبها الشعب الجزائري من خلال مساندته المطلقة للكفاح المسلح لاسترداد الحرية والكرامة لكل مواطن جزائري. وقد نجحت الثورة بفضل وعي الجماهير ورغبتها القوية في حمل السلاح وتحقيق الأهداف المشتركة للجميع. لقد طالت الحرب وتحمل الجزائريون جميع أنواع الاضطهاد والحرمان والتشريد خلال سنوات طويلة لكن انتصروا في النهاية لأنهم كانوا مقتنعين في قرارات أنفسهم بأنهم على حق وخصمهم على باطل. كما أنهم برهنوا من خلال تحليهم بالصبر ووجود عزائم قوية لا توهن، عن أصالتهم الثورية الإسلامية والعربية لأنه كان عندهم إيمان بعدالة مطالبهم وإيمان قوي يحركه الشعور بالظلم.
* للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يمكن مراجعة كتاب: عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر، من البداية ولغاية 1962. بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1997، ط 2، 2005.
** أستاذ بكلية العلوم السياسية، جامعة الجزائر.
(1) Charles R. Ageron « Jules Ferry et la question algérienne en 1892 », Revue d’histoire Moderne Contemporaine, (Avril – Juin), 1963, p. 130
(1) Charles R. Ageron, Politique Coloniales au Maghreb. Paris : P.U.F, 1972, p. 25
* Union Démocratique du Manifeste Algérien (U.D.M.A.)
(2) يحي بوعزيز، ” اليمين في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال خصومه، 1912-1948 “، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية، 1991، ص 45.
(1) Collette et Francis Jeanson, L’Algérie hors la loi . Paris, Seuil, 1955, pp. 70-71
(2) Ferhat Abbas, Autopsie d”une guerre. Paris : Editions Garnier, 1980, pp. 77-83
(3) Ibid ; pp. 150-153
(4) Benjamin Stora, Op.Cit, p. 189
(1) Saadedine Ben Chneb, « Quelques Historiens Arabes Modernes d”Algérie » Revue Africaine, Tom. C, 1956, PP. 475-499
(2) نصر الجويلى ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين الدين والسياسة ” المجلة التاريخية المغاربية، عدد 49-50 (جوان) 1988، ص. 109
(3) عبد الكريم بوصفصاف ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموقفها من ظهور الحركة البربرية في الجزائر ” المجلة التاريخية المغاربية، عدد 63-64 (جويلية) 1991، ص. 243-244
(1) نصر الجويلي ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين الدين والسياسية “، المجلة التاريخية المغاربية، عدد 49-50 (جوان) 1988، ص. 110
(1) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (الجزء الثاني)، الجزائر : الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1977، ص. 366
(1) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (الجزء الثاني)، الجزائر : الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1977، ص. 368
(1) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (الجزء الثاني)، مرجع سابق، ص. 411-412
(2) نفس المرجع الآنف الذكر، (الجزء الثالث) المنشور 1982، ص. 23-24
(1) Pierre Leffont, Histoire de la France en Algérie. Paris : Plon, 1980, p . 314
(2) Ageron, Histoire de l’Algérie Contemporaine , Op.Cit, p. 599
(3) Mohamed Harbl, Le F.L.N : Mirage et Réalité. Paris : Editions Jeune Afrique, 1980.
(1) « Les Combattants de la Libération ».
(2) Harbi, Op.Cit, P. 138
(1) André Nouschi, La Naissance du Nationalisme Algérien. Paris : Editions de Minuit, 1962, p. 62.
(2) « Glorieuse Etoile Nord Africaine ».
(1) Ageron, Histoire de l’Algérie Contemporaine, Op.Cit, p. 351
(1) Stora, Messall Hadj : 1898-1974, Op.Cit, pp. 181-182
(2) Ibid ; p. 182
(1) Ageron, Histoire de l’Algérie Contemporaine, Op.Cit, p. 587
(2) L’Organisation Spéciale, (O.S).
(3) Harbi, Le F.L.N : Mirage et Réalité, Op.Cit, p. 70
(1) أنظر جريدة الشعب بتاريخ أول نوفمبر 1990.
(2) محمد بوضياف في حديث مع محمد عباس، المنشور بجريدة الشعب يومي 17-16 نوفمبر 1988.
(1) محمد بوضياف في حديث مع محمد عباس، المنشور في جريدة الشعب بتاريخ 16-17 نوفمبر 1988.
(1) Ammar Bouhouche, « The Return and Reintegration of the Algérian Réfugees following the independance of Algeria », Annales de l’Université d’Alger, N 05, 1990-1991, p. 95
(1) Nouschi, Op.cit., pp. 116-120.
(1) Peter PARET, French Revolutionary Warfare: From Indochina to Algeria. New York: Praeger, 1964, pp. 22-26.
(2) Ibid., pp. 22-27.